224

شرح جامع الترمذي - الراجحي

شرح جامع الترمذي - الراجحي

Géneros

الجمع بين حديث: (التيمم للوجه والكفين) وحديث (تيمننا إلى المناكب والآباط)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد روي هذا الوجه عن عمار في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين) من غير وجه.
وقد روي عن عمار أنه قال: (تيممنا مع النبي ﷺ إلى المناكب والآباط) فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي ﷺ في التيمم للوجه والكفين، لما روي عنه حديث المناكب والآباط.
قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي: حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار: (تيممنا مع النبي ﷺ الى المناكب والآباط) ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عمارًا لم يذكر أن النبي ﷺ أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي ﷺ أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علَّمه رسول الله ﷺ الوجه والكفين.
والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي ﷺ في التيمم أنه قال: (الوجه والكفين)].
يحمل قوله: (تيممنا مع النبي إلى المناكب والآباط) على أنهم فعلوا هذا في زمن النبي ﷺ قبل أن تبلغهم السنة، فلما قالوا للنبي ﷺ أخبرهم وبين لهم أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين.
[ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي ﷺ، فعلمه إلى الوجه والكفين.
قال: وسمعت أبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم يقول: لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء الثلاثة: علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي الفلاس.
قال أبو زرعة: وروى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثًا: حدثنا يحيى بن موسى حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا هشيم عن محمد بن خالد القرشي عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس: أنه سئل عن التيمم؟ فقال: إن الله قال في كتابه حين ذكر الوضوء: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة:٦] وقال في التيمم: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾ [النساء:٤٣] وقال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة:٣٨] فكانت السنة في القطع الكفين، إنما هو الوجه والكفان، يعني التيمم.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح].
ضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي ﷺ في التيمم للوجه والكفين لما روي عنه حديث المناكب والآباط، فظن أن حديث المناكب والآباط مخالف لحديث الوجه والكفين ومعارض له، فضعفه للاختلاف والاضطراب.
والجواب عن تضعيف بعض أهل العلم لحديث عمار أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين هو أن تيممهم إلى المناكب والآباط لم يكن بأمر النبي ﷺ، وأما التيمم للوجه والكفين فأمر به النبي ﷺ وعلمه عمارًا، فلا تعارض بين الحديثين.
وإسحاق بن إبراهيم هذا هو إسحاق بن راهويه.
قوله: (ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي ﷺ.
قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي: أي أن عمارًا انتهى إلى أن التيمم للوجه والكفين، فكان هو آخر الأمرين: فالأول: ما فهموا من إطلاق اليد في الكتاب في آية التيمم.
والثاني: ما انتهوا إليه بتعليم النبي ﷺ، فكان الثاني هو المعتبر والمعمول به، ويدل على جواز الاجتهاد في زمن النبي ﷺ؛ لأن عمارًا ﵁ اجتهد أولًا، ثم لما علمه النبي ﷺ ترك.
وحديث عمار أخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري، وروى الشيخان عن عمار بن ياسر ﵁ قال: (بعثني النبي ﷺ في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، ثم أتيت النبي ﷺ فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذا اللفظ لـ مسلم.
وفي رواية للبخاري: (وضرب بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه).
وهذا الحديث هو الثابت في الصحاح والسنن، لكن طريق سنن الترمذي غير طريق الصحيحين.
والتيمم يبدأ فيه بالوجه ثم اليدين، يقول تعالى: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ﴾ [النساء:٤٣] ولابد من الترتيب.

16 / 4